آخر الأخبار

جاري التحميل ...

من غيّب المغاربيين من التاريخ الحضاري

للبروفيسور رابح لونيسي
البريد الإلكتروني::lounici.rabah2008@yahoo.fr

إذا جئنا إلى العوامل التي تختفي وراء تغييب مساهمة المغاربيون في الحضارات الإنسانية عبر التاريخ، فإننا نجد أربع عوامل تختفي وراء ذلك
النزعة المركزية الأوروبية
 نقصد بها جعل بعض الأوروبيين أنفسهم أهم مركز العالم وإقصاء الآخرين، فمثلا لا يقيسون تقدم الآخرين أو تخلفهم إلا إذا تبنوا فلفستهم وقيمهم ونمط حياتهم، فعندما نتحدث عن مراحل التاريخ مثلا فإننا نقسمها على أساس التاريخ الأوروبي البحت، وإن تحدثنا عن الحضارات والثقافات، فلا نتحدث إلا عن أوروبا مهملين كل الحضارات الأخرى، ومنها الحضارات الصينية والهندية والإسلامية وغيرها، فمثلا قلما يشير الأوروبيون إلى دور المسلمين في المجال الحضاري، وإن اعترفوا لهم بالفضل، فيكتفون فقط بالقول أنهم نقلوا الفكر والفلسفة اليونانية إلى أوروبا، فمثلا عندما يدرس الأوروبي تاريخ الحضارة ينتقل مباشرة من الحضارة الرومانية-الأغريقية إلى الحضارة الأوروبية الحديثة بداية من عصر النهضة في القرن الرابع عشرالميلادي، وإن أشار إلى الدور الحضاري للمسلمين، فهم في نظره مجرد معبر أو ناقل للحضارة الرومانية-الأغريقية لا غير، وكأنهم لم ينتجوا أي شيء، ففي الغالب لا يشيرون مثلا أن الجبر هو منتوج حضاري إسلامي واللوغارتميات منتوج الخوارزمي، ولا بقولون أن أبن النفيس هو الذي اكتشف الدورة الدموية بل ينسبون كل هذا للأوروبيين .
هناك البعض من الباحثين الأوروبيين الذي يعترفون بفضل المسلمين على الحضارة اليوم مثل "روجي غارودي" و "غوستاف لوبان" ، ونجد أيضا الألمانية "زغريد هونكة" التي كتبت كتابا سمته " شمس الله تسطع على الغرب" ثم ترجمه القوميون العرب والبعثيون والناصريون بعنوان آخر هو "شمس العرب تسطع على الغرب" ، وبهذه المناسبة علي أن أشير إلى هذا الخطأ المنهجي الفادح الذي يرتكب اليوم وهو إختزال هذه الحضارة الإسلامية في مسميات مثل القول "الحضارة العربية" أو "الحضارة العربية الإسلامية"، فهو لا يمت للحقيقة التاريخية بشيء، لأن هذه الحضارة قد ساهم فيها العرب وغير العرب، بل لو عدنا إلى الحقيقة، فنجد  أن أغلب صناعها من غير العرب خاصة كالأمازيغ والفرس والهنود وشعوب آسيا الوسطى ومنهم أبن سينا مثلا بشهادة المؤرخ "بن خلدون" نفسه الذي يقول العرب بأنه حضرمي ، لكن هذه الحضارة هي نتاج الفهم الحقيقي للإسلام الذي يدعو إلى العلم والنظر في الكون ، وانتجت فعلا علومها باللغة العربية التي كانت آنذاك تشبه اللغة الأنجليزية اليوم، كما نشير أيضا إلى إستخدام بعض الغربيين تسمية "العرب" بدل "المسلمون"، وهو يشبه تقريبا إطلاق أجدادنا بالأمس القريب فقط ولازال موجود لدى البعض تسمية "الرومي"-نسبة إلى روما- على كل إنسان أوروبي . 
بناء على النزعة المركزية الأوروبية تم إقصاء وإهمال الأمازيغ في خضم هذا الإقصاء للمسلم، كما أهملت أيضا مساهمته قبل الفترة الإسلامية أي في القديم بسبب هذه الأورو-مركزية، فنسبت مساهمته الحضارية إلى الرومان واليونان، أو كما يقول محمد الميلي "في كل النظريات نجد إصرارا على تقديم شعبنا-أي الأمازيغي- في صورة الشعب العاجز عن صنع التاريخ، وإذا صادف أن سجل التاريخ القديم فترات إزدهار نسبي في هذه الربوع، فإن المؤرخين الإستعماريين يسارعون إلى تقديم أسباب خارجية لتفسير ذلك، فإذا نجح أجدادنا

في الزراعة فالفضل في ذلك –حسب زعمهم يرجع إلى الفنيقيين ، وإذا استطاعوا أن يقيموا أسطولا بحريا كان عامل سلام في حوض المتوسط ، فالفضل يرجع إلى القرطاجيين ، وإذا كانوا قد أقاموا سدودا للري فيقولون أن الرومان هم الذين فعلوا ذلك، ويبدو أن الفضيلة الوحيدة التي رضي أولئك المؤرخون بتسجيلها لأجدادنا هي فضيلة الحرب والقتال ، بشرط أن تكون المقدرة على الحرب مساوية للتخريب والتهديم والوحشية" .
عندما إحتل الإستعمار الفرنسي بلداننا الأمازيغية وضع إيديولوجية تقول أن مهمته تمديننا، وأستند عليها لإقناع الرأي العام الفرنسي ذاته، فكان يقوم سنويا بمعرض للمستعمرات في باريس يصور فيها الإنسان المستعمر، ومنه الإنسان الأمازيغي بأنه كان همجيا متخلفا قبل تعرضه للإستعمار، ثم يعرض ما يعتبره منجزات الإستعمار في تمدين هذا الإنسان المستعمر، وبناء على ذلك أيضا إهتم المستعمر بالتاريح المؤدلج، فوظف الدراسات التاريخية لخدمة الأيديولوجية الإستعمارية التي كانت تقول بأن الإستعمار الفرنسي أستعاد أرض الرومان، ولهذا عندما اهتم بالآثار قام بمحو كل الآثار الأمازيغية القديمة والإسلامية في الوقت الذي أولى إهتماما كبيرا بالآثار الرومانية، وهي عملية تشبه إلى حد ما ما تقوم به إسرائيل اليوم في القدس من عملية تهويد للقدس بمحو كل الآثار الإسلامية والإهتمام بما تعتبره آثارا يهودية مثل هيكل سليمان .

 ونجد نفس الأمر في المجال التاريخي، فمثلا أعتبر المؤرخ الإستعماري الفترة الإسلامية بأنها "الفترة المظلمة في تاريخ الجزائر" على عكس الفترة الرومانية، كما ركز هذا المؤرخ الإستعماري على فكرة مفادها عدم بناء الأمازيغ للحضارة، بل لم يوجد لهم كيان ولا دولة عبر التاريخ، فهم مجرد قبائل متناحرة فيما بينها ، وهذا الأمر هو الذي دفع بعض المؤرخين الوطنيين على التركيز كثيرا على التاريخ القديم أثناء الفترة الإستعمارية لدحض هذه الطروحات الإستعمارية وإبراز أننا أمة عريقة وموغلة في القدم، وحتى لو تعرضت للإستعمار الروماني ، فإن هذا الإستعمار لم يهدأ له بال بفعل المقاومات العديدة التي قام بها أجدادنا الأمازيغ على يد يوجرثن وتاكفاريناس وفرموس وطالات وغيرهم من أبطالنا العظماء ، لكن للأسف لم يول هؤلاء الكتاب الجانب الحضاري أهمية كبيرة، وركزوا على جانب المقاومة أكثر .

لا يمكن أن نحمل فقط الآخر مدى الإهمال الذي عانه تاريخنا ، خاصة في جانبه الحضاري ، فالأمازيغ أيضا يتحملون مسؤولية كبيرة في هذا الإهمال لكن بأشكال متفاوتة ، وتعد الجزائر هي الدولة الأقل إهتماما بهذا المجال التاريخي بفعل سيطرة العروبيون البعثيون والإسلاميون على مفاصل المدرسة والأدوات الأيديولوجية كمجالات الثقافة والمساجد والإعلام وغيرها، ففي المجال التاريخي ركز الجزائريون على فترة المقاومة المعاصرة للإستعمار، وكأن تاريخ الجزائر بدأ مع مجيء الإستعمار الفرنسي أو في أول نوفمبر 1954، فوقعوا بذلك دون وعي منهم في المصيدة الإستعمارية التي تقول أن الإستعمار هو الذي أوجد الجزائر ولا وجود لأمة ولا وطنية جزائرية إلا بعد الإصطدام مع هذا الإستعمار، بل أصر البعض من الجزائريين على القول أن الأمير عبد القادر هو منشيء الدولة الجزائرية، وكأن هذه الدولة أو الكيان لم يكن موجودا من قبل مهملين دولة نوميديا التي كانت عاصمتها سيرتا والتي هي مشتقة من الكلمة الأمازيغية ثسيرث وتعني الطاحونة، وهو ما يظهر جليا اليوم عند ركوبنا الطائرة والنظر إلى مدينة سيرتا لنلاحظ أنها تشبه شكل الطاحونة بالفعل، لكن للأسف يفضل العروبيون إطلاق تسمية قسنطينة التي تعطي شرعية للإستعمار الروماني على التسمية الأمازيغية سيرتا، مما يدل على مدى عدائهم لكل ما هو أمازيغي أصيل، كما ركزوا على الجانب المسلح فقط حتى غرس في ذهن الطفل أن تاريخ الجزائر هو تاريخ حروب فقط، لكن كان بإمكان الجزائري أن يهتم بكل تاريخ شعبنا منذ القديم إلى حد اليوم والذي هو سلسلة مترابطة ممتدة عبر عشرات القرون، ولا يمكن لنا أن نهمل حلقة واحدة من هذه السلسلة، فنغرس بذلك في الطفل الجزائري الإعتزاز بتاريخ أمته الموغلة في القدم، ولا نكتفي بذلك، فقد كان لزاما علينا أن نهتم بالجانب الحضاري للإنسان الأمازيغي كي تكون لدى الطفل الإيمان بهذا الإنسان بدل غرس عقدة النقص فيه لأنه لايعرف أن أجداده سواء في القديم أو الفترة الإسلامية قد كانوا منتجو حضارة وأفكار، ولم يكونوا همجا لا يعرفون إلا خوض الحروب فقط كما أراد أن يغرس ذلك الأيديولوجي الإستعماري .
 بل علينا أن نقولها بكل صراحة، فكلنا درسنا التاريخ في المدرسة، فكلنا لا نعرف ولا شيء عن بلادنا، بل نعرف فقط عن الحضارة المصرية الفرعونية والعباسية في بغداد، بالإضافة طبعا عن الحضارة الأوروبية، لكننا نحن الأمازيغ كأننا لسنا موجودين في التاريخ، بالرغم أننا أنشأنا حضارة الطاسيلي فبل الفراعنة أي في ستة آلاف سنة قبل الميلاد، وأقام الأمازيغ حضارة عظيمة في الأندلس، لكن للأسف عندما نتحدث عنها ننسبها للآخرين أي الأمويين بالرغم من أن أجدادنا الأمازيغ هم فاتحوا الأندلس على يد طارق بن زياد، وهم الذين أقاموا فيها تلك الحضارة الأندلسية العظيمة، بل أغلبنا لا يعرف شيئا عن يوبا الثاني وإنجازاته الحضارية، وأشير هنا إلى ضعف الدراسات التاريخية والأثرية في بلادنا، فمثلا عندما نأتي إلى العهد القديم، فإننا نركز على الآثار الرومانية، وكأن الطليان يحتاجون إلى من يضيف إلى بحوثهم التاريخية، في الوقت الذي نهمل بسبب نقص الإمكانيات في أغلب الأحيان الحفريات الأثرية لما يوجد من معالم تحت تلك المدن الرومانية، لأن هذه الأخيرة قد بنيت في الحقيقة على مدن مغاربية تحمل معالم حضارية، والهدف من ذلك هو سياسة الرومنة التي مورست في القديم بهدف طمس معالمنا الحضارية وهويتناا ووجودنا وكياننا .
 كما يجهل المغاربي عامة والجزائري خاصة أيضا الكثير عن الدول العظيمة التي أقامها أجداده الأمازيغ بعد إعتناقهم الإسلام، ومنها الدولة الرستمية والفاطمية والزيرية والحمادية والمرابطية والموحدية والزيانية، وتشهد الآثار الحضارية لهذه الدول إلى حد اليوم عن المجد الحضاري الذي بلغه هؤلاء آنذاك، خاصة أثناء العهد الموحدي الذي يعد قمة الحضارة الإسلامية، ويعود هذا التغييب كله أيضا إلى مركزية أخرى، وهو عامل آخر أطلق عليه "النزعة المركزية المشرقية" .





إذا جئنا إلى مساهمات الأمازيغ في المسار الحضاري الإنساني، فإننا نجد في الماضي السحيق حضارات لا يمكن تجاهلها، ومنها حضارة وادي حنش وحضارة بئر العاتر في نواحي تبسة والحضارة القفصية التي تشترك فيها كل من تونس والجزائر .
 كما لا يمكن لنا أن نتغاضى عن حضارة الطاسيلي العريقة، والتي أثرت، بل يمكن القول أنها هي التي كانت وراء نشأة الحضارة الفرعونية، وقد أكد ذلك أرنولد توينبي كما سبق أن اشرنا إلى ذلك آنفا، وتدل رسومات الطاسيلي عن مدى حيوية الشعب الأمازيغي ، فنجد البعض من المخترعات، ومنها العجلة، لكن للأسف كما أهمل الإستعمار الفرنسي، وحاول طمس هذه الآثار، فإن البعض من الجزائريين قاموا بأبشع من ذلك وأصبحوا يسرقون البعض من هذه الآثار لبيعها في الخارج، أي فيما يسمى اليوم بحظيرة الطاسيلي بتنمنراست، كما عمل البعض على عدم الإهتمام بهذه الآثار تحت غطاءات شتى .
 وإذا جئنا إلى الفترة التاريخية القديمة والقريبة نوعا ما، فإننا نجد أن الأمازيغ قد عرفوا جامعة في شرشال (الجزائر) في عهد الملك يوبا الثاني ملك موريطانيا القيصرية، كما كان لهذا الأخير أعمال عديدة في شتى العلوم، ومنها وضعه موسوعة كبيرة، والتي تعد أول دائرة معارف في التاريخ، لكن للأسف الشديد لم يبق منها أثر كبير اليوم بسبب الإهمال، لكن الكثير من الأغريق والرومان وكتاباتهم التي حفظت قد نقلت أغلبها من هذه الموسوعة، كما كان يوبا الثاني وراء رسم خرائط للعالم المعروف آنذاك، وهو أول من وضع خريطة للجزيرة العربية، وقد ألف يوبا الثاني في شتى العلوم، ومنها الزراعة والري، ويعد أقدم كتاب في مجال العلوم الزراعية لماغنوس اليوناني ما هو في الحقيقة إلا مجرد نقل ماكتبه يوبا الثاني.
 كما عرفت بلداننا في فترة ما قبل الإسلام كاتبا موسوعيا آخر هو آبوليوس المادوري أي مداوروش -وهي سوق أهراس اليوم-، فقد بحث في الكثير من المواضيع العلمية والأدبية والإنسانية، لكن لم يبق من آثار هذا المفكر والعالم الكبير إلا كتاب واحد، وذلك في المجال الأدبي، وهو عبارة عن رواية بعنوان "الحمار الذهبي"، وتحتوي حكما فلسفية، ويعد البعض من الباحثين الموضوعيين بأنها أول شكل للرواية الأدبية.
 وهل يمكن أن يتحدث المسيحيون عن الفلسفة المسيحية دون الحديث عن سانت أوغستين، وهو من بونة أي عنابة اليوم، والذي ألف مذهبا لا زالت تعتمده الكنيسة الكاثوليكية إلى حد الساعة، ولا زال سانت أوغستين شخصية عالمية إلى حد اليوم، وهو صاحب العديد من المؤلفات الدينية والفلسفية، وأشهرها على الإطلاق كتابه الشهير "مدينة الله"
بقلم : مولاي أمين

بقلم : مولاي أمين

يوتيوبر جزائري و مدون عربي ناشئ يهتم بكل ما هو جديد في عالم التكنلوجيا و التقنية و هدفه الأول هو تصحيح الأفكار و الدروس الخاطئة التي تنشر في الويب .

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

عن الموقع

تغريداتي

جميع الحقوق محفوظة

هواة المطالعة

2016